يسعى الأفراد طوال حياتهم لامتلاك منازلهم في مختلف المجتمعات والذي يعد من الأهداف طويلة المدى لكافة الطبقات الاجتماعية سواء كان لغرض استثماري أو سكني، وذلك لما له من مزايا غنية عن التعريف كالشعور بالأمان والاستقرار على مستوى الفرد والمجتمع والاقتصاد.. وقد تؤثر "ملكية الأسر لمنازلها " على المهارات الادراكية والسلوكية للطفل المقيم في هذا المنزل, وهذا ما تم تبنيه حديثَا في الدراسات الاجتماعية وسنستعرض إحداها في هذا المقال.
ففي الفترة الأخيرة, قامت عدد من الدراسات بقياس أثر امتلاك المنزل على المهارات الإدراكية والقدرات السلوكية للطفل الناشئ في هذا المنزل , حيث ارتبطت ملكية المنازل بانخفاض نسبة تسرب الطلاب من التعليم. ويمكن تبرير ذلك بديهيَا, فالاستقرار المادي من شأنه أن يحسن التركيز و الأداء المعرفي لدى الطلاب. في هذه الدراسات، يتم استخدام نتائج الاختبارات القياسية في الرياضيات والقراءة كمقياس للمهارات الإدراكية ومؤشر BBAS السلوكي لقياس القدرات السلوكية؛ يستند هذا المقياس على تقييم عدد من المهارات السلوكية لدى الطفل كالعلاقات الاجتماعية والإنجازات والتكيف مع المجتمع.
ومن هذه الدراسات ورقة عمل قدمت من قبل Joint Center for Housing Studies of Harvard University ،قامت الدراسة بتحليل أثر " ملكية المنازل" على المهارات الإدراكية والسلوكية للطفل في عينة مستخرجة من مسح اجتماعي لمجموعة من العوائل في الولايات المتحدة.
حيث تم استخراج نسب الملكية لقياس العامل المؤثر "أثر ملكية المنازل" و استخدام بيانات المسح مثل " بيئة المنزل" و "المؤشرات السلوكية والادراكية" لقياس التأثير " العامل المتأثر".
تم استخدام نتائج القياس في الرياضيات والقراءة كمؤشر على المهارات الادراكية،و تقارير المشاكل السلوكية المبلغ عنها من قبل الأمهات في المسح الاجتماعي كمؤشر على بيئة المنزل الآمنة، أما بالنسبة لعوامل الضبط فقد شملت على العوامل الاقتصادية كالأجور وكذلك الخصائص السلوكية للطفل والوالدين هذا بالإضافة للعوامل المجتمعية مثل الجيران والعلاقات العامة باعتبارها عوامل قد تؤثر على مهارات الطفل، لذلك جرى ضبطها لتسليط الضوء على تأثير "ملكية المنزل" لوحده على مهارات الطفل.
توصلت النتائج على أن ملكية المنزل تؤثر على مستوى تحفيز الادراك والدعم المعنوي في البيئة أو المنزل الذي ينشأ فيه الطفل،حيث ارتفعت نتائج القياس المعرفي والسلوكي للأطفال من أسر مالكة لمنازلها مقارنة بالأسر المستأجرة. كما تحسنت جودة البيئة الحاضنة للطفل من ١٦ إلى ٢٢٪، وارتفع التحصيل الرياضي ٧٪ ومهارات القراءة ٦٪ كما انخفضت كذلك نسبة المشاكل السلوكية للطفل المقيم في منزل مملوك.
وهذا يسلط الضوء على الدور الفاعل لمُلاك المنازل على مستوى الفرد والعائلة والمجتمع. فملكية المنزل ستحفز المالك على استثمار وقته وماله في تحسين منزله وكذلك، استقرار الحالة المعنوية للأسرة مما يساعد على توفير أفضل بيئة داعمة للطفل مقارنة بالمنازل المستأجرة، بالتالي سينعكس ذلك على المهارات الادراكية والسلوكية للطفل وكذلك علاقاته مع الحي و المجتمع.
تبرز أهمية هذه الدراسات على لفت انتباه المجتمع والدول نحو أهمية تملك المنزل. والتأكيد كذلك على ضرورة تحفيز الدول للمجتمع من خلال سن مبادرات مجتمعية اقتصادية لرفع نسبة التملك و محاولة تقديم الأولوية للأسر المكونة من أطفال صغار. وختامَا، ننوه على ضرورة تطبيق مثل هذه الدراسات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية لتقدم توصياتها لصانعي السياسات المحلية كالاستمرار على تقديم المبادرات الداعمة منها على سبيل المثال برنامج الإسكان المحلي الهادف على رفع نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن و كذلك مبادرة تحمل ضريبة القيمة المضافة للمسكن الأول.
فتحسين جودة البيئات الحاضنة للطفل بما فيها "المنزل" سيساعد على رفع مستوى القدرات المعرفية والسلوكية له، و بالتالي تحسين المستوى المعرفي والمادي لمستقبل الطفل.
المراجع:
DOI: 10.2139/ssrn.218969
DOI: 10.15185/izawol.342
Comentários