اهتمت الدراسات الحديثة في المالية السلوكية على دراسة "سيكولوجية ومعنويات المستثمرين" باعتبارها إحدى العوامل المؤثرة على اتخاذ القرارات الاستثمارية. واحدة من أهم مبادئ المالية السلوكية هو أن "المستثمر غير عقلاني" وبالتالي يتأثر الفرد بمشاعره ومعتقداته الشخصية عند اتخاذ القرارات المالية، فالجوانب النفسية لها دور وأثر في تسعير الأصول واتخاذ القرارات وساعدت كذلك على تفسير عدد من الظواهر الغامضة في الأسواق وسلوكيات المستثمرين والتي كانت تعد من الألغاز غير المفسرة في المالية التقليدية.
فلا يمكن الاعتماد على التفكير والتحليل العقلاني عند اتخاذ قرار استثماري أو فهم توجهات السوق بدون استيعاب الطبيعة العاطفية للمستثمرين. إلا اذا افترضنا أن جميع المتعاملين في السوق هم عقلانيون 100% وهذا غير منطقي في الأسواق, حيث يتكون السوق من عدد من المستثمرين باختلاف استراتيجية كل نوع من المستثمرين وتنوع اهدافهم ومقدار تحملهم للخسارة ووجهات نظرهم وخبراتهم, لذلك فإن العواطف هي المفتاح الرئيسي لفهم سيكولوجية المستثمر في الأسواق.
ماذا نعني بسيكولوجية ومعنويات المستثمر؟
تعد "معنويات المستثمرين investor sentiment " من أهم المصطلحات النظرية والتجريبية في المالية السلوكية. ويصف المصطلح المعتقدات المستندة على تحيزات واستدلالات المستثمرين. وتشير سيكولوجية ومعنويات المستثمرين على شعور المستثمرين العام تجاه أصل معين, سهم, عقار أو سوق. هو مصطلح يشار إليه عمومًا بدرجة التفاؤل أو التشاؤم لدى المستثمرين. وبشكل عام تشير تحركات الأسعار نحو الصعود عن ارتفاع معنويات المستثمرين (تفاؤل) بينما تشير تحركات الأسعار نحو الإنخفاض عن هبوط معنويات المستثمرين (التشاؤم).
هل تؤثر سيكولوجية ومعنويات المستثمر على سوق العقار؟
قامت العديد من الدراسات في المالية السلوكية على دراسة أثر العوامل السيكولوجية على اتخاذ القرارات لدى المستثمر الفرد والمؤسسات وأسواق العقارات, وأجمعت الدراسات على تأثير المعنويات والعوامل السيكولوجية بالذات على المستثمر العقاري, وذلك بسبب طبيعة السوق العقاري وما يحمله من خصائص سلوكية. من ناحية انخفاض الشفافية, عدم تماثل المعلومات بين البائع والمشتري أو عدم توافرها وكذلك طول فترة تنفيذ العقد. هذا ما يحفز المستثمر على البحث عن معلومات أو حتى إشارات وإن كانت شائعات من أجل اتخاذ القرار. ومن ذلك برزت أهمية دراسة العوامل السيكولوجية على الأسعار, فكلا من العوامل الاقتصادية والسيكولوجية تؤثر على الأسعار.
الهدف الرئيسي من قياس مشاعر المستثمرين في المالية السلوكية هو تقييم ما إذا كانت مشاعر المستثمرين تؤثر على أسعار الأصول أو ماهي فئات الأصول الأكثر تأثراً، وأشارت الأبحاث السابقة إلى أن معنويات المستثمرين تتنبأ عكسًيا بالعوائد المستقبلية، أو بتعبير أدق، المعنويات المرتفعة الحالية تؤدي إلى عائد منخفض في المستقبل والعكس صحيح. ولتوضيح الفكرة: ترتفع قيمة الأصل في حالة تفاؤل المستثمرين مما يجعل سعرها "مقيم بأعلى من قيمته" بالتالي يعود السعر مستقبلاً لقيمته الأساسية, أي ينخفض في هذه الحالة. وفي حالة تشاؤم المستثمرين تنخفض قيمة الأصل ويكون "مقيم بأقل من قيمته"، وبالتالي يرتفع سعره في المستقبل.
كيف يتم قياس سيكولوجية ومعنويات المستثمر؟
ويتم قياسها بعدد من المؤشرات أو المقاييس, ومنها المقاييس التقليدية كاستبيانات المستثمرين والتي تهدف لقياس توجهات وآراء المستثمرين تجاه الوضع الحالي للاقتصاد كمؤشرات ثقة المستهلك وكذلك مؤشر knight frank العقاري. والنوع الآخر من المقاييس هي المؤشرات المركبة مثل عدد الصفقات والقروض العقارية, بحيث يعبر ارتفاعها عن ارتفاع معنويات المستثمرين بالتالي ارتفاع الأسعار في الفترة الحالية وانخفاضها في المستقبل والعكس صحيح.
بالإضافة لذلك, قام عدد من الباحثين ومنصات التحليل بتطوير عدد من المقاييس لقياس المعنويات, ومنها "المقاييس المعتمدة على الميديا أو الأخبار", فهي تقوم بتحليل الأخبار المتعلقة بالأصل وتصنيفها كأخبار إيجابية أو أخبار سلبية, ومن ثم ربطها بالعوائد المستقبلية.. ولوحظ فعلَا تأثيرها على الأرباح وبالتالي اتضحت أهميتها في التنبؤ بالأسعار والأرباح المستقبلية. ومن هنا, اهتمت منصات التحليل الاستثماري بالاطلاع على هذه المؤشرات ليستفيد منها المستثمر عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.
بماذا تفيد سيكولوجية ومعنويات المستثمر؟
لخصت بعض الدراسات العلمية إلى أن المالية السلوكية تقدم مساهمات قَيمة لنظرية المالية التقليدية وأن كلَا من العوامل الأساسية والسلوكية تؤثر على الأسعار. ويختلف المستثمرون في المدارس التي ينتمون إليها عند اتخاذ القرار الاستثماري بالاعتماد على متابعة العوامل الأساسية أو السلوكية أو كليهما معَا. وبعض المستثمرين لهم طرقهم الخاصة في الاستثمار وجني الأرباح. لكن متابعة مؤشرات المعنويات وتحليل سلوك المستثمرين مع الانتباه للعوامل الأساسية سيساعد على تحديد التوقيت الأفضل لبيع أو شراء الأصل للاستفادة من الفجوات السعرية. حيث تتحرك الأسعار بناء على المؤشرات الأساسية وسيكولوجية أو مشاعر المستثمرين المتباينة بين التفاؤل والتشاؤم. وبذلك تتشكل فرص الشراء والبيع كون الأسعار تتحرك في المدى القصير بناء على مشاعر المستثمرين في لحظة زمنية معينة. فالمستثمر عادة ما يبني قراراته بناء على عوامل اقتصادية وعوامل سيكولوجية خاصة فهو يتأثر بتحيزاته الشخصية أو حتى التأثر بالآخرين "سلوك القطيع".
هنالك العديد من المنصات الخاصة بتحديد وتحليل مشاعر أو معنويات الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الأخبار حول أصل أو شركة معينة والتي من الممكن أن تساعد المستثمر على اتخاذ القرار, ومنها ما يلي:
-Tweet Sentiment Visualization
وتقدم تلك المنصات العديد من المزايا والتحليلات التي تعتمد بشكل أساسي على التحليلات المنبثقة من مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، وتصنيفها إلى تفاعلات إيجابية أو سلبية أو محايدة.. ويمكن تصفية تلك المعلومات مثل إظهار الحسابات/الأخبار الأكثر شيوعَا ومصدر كل منها وقائمة بتصنيفات مختلفة كاختيار اللغة والمنصة العالمية وتحديد التاريخ وغيرها.ويمكن كذلك مقارنة جميع تلك المعلومات بمعلومات شركة\أصل آخر كما هو موضح في الملحق التالي:
Acknowledgments
Fatimah Al-Ali from Mutoon Community co- authored this article with Ryoof Al-Mutawa.
المراجع:
1- Jochen H, Jessica R & Marcel L. (2018). News-based sentiment analysis in real estate: a machine learning approach,Journal of Property Research.
2- Lin, C. Y., Rahman, H., & Yung, K. (2009). Investor sentiment
and REIT returns. The journal of real estate finance and
economics.
3- Gallimore, P., & Gray, A. (2002). The role of investor sentiment
in property investment decisions. Journal of Property
Research.
4- An de Meulen, P., Micheli, M., & Schmidt, T. (2014).
Forecasting real estate prices in Germany: the role of consumer
confidence. Journal of Property Research.
5- James R. DeLisle.(2010) Fundamentals of Real Estate: A Behavioral
Approach.( work in progress).
قراءة جميلة وتحليل موضوعي مميز.