سؤال قد يتبادر لذهنك عند سماع بعض أسعار الصفقات العقارية في المملكة. تعال نشوف بالأرقام شكل أسعار العقار للمتر المربع حسب الصفقات التاريخية. وهل فعلاً ممكن توصل أسعار المتر المربع لعشرات الآلاف بل لمئات الآلاف؟
ماذا يمثل سعر العقار؟
هذا هو أهم وأول سؤال يجب أن نتسائل عنه لمعرفة القيمة خلف سعر شيء ما، مثل العقار. ولإيضاح الفكرة، هل تعلم أنه يمكنك تملّك أرض بمساحة 10,000 متر مربع على سطح القمر بـأقل من 100 ريال لكامل الأرض، يعني المتر المربع بأقل من هللة واحدة (ترسل لك الوثيقة مع صورة فضائية للأرض)! ماذا يعني هذا؟ لأنه لا يمكن العيش على سطح القمر، ولا يمكن الوصول له بسهولة وهو مكان غير مأهول وغير معروف وجود أي مصادر أو موارد طبيعية فيه. ببساطة الموضوع متعلق بقدرة الشخص من الاستفادة من الأرض (سكنياً أو تجارياً أو صناعياً... الخ).
مدينة القمر
لنأخذ مثال أرض سكنية في مدينة صغيرة (لنسميها مدينة "القمر") لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة. أولاً، لماذا هذه المدينة عدد سكانها 50 ألف نسمة فقط؟ هل هي مشكلة مساحة بحيث لا تستوعب المدينة أكثر من هذا العدد لأسباب جغرافية أو لانخفاض في الموارد الطبيعية؟ أو لصعوبة الحياة فيها؟ إذا لا، ماهو طبيعة اقتصاد المدينة؟ بمعنى ما هي قدرة الشخص الساكن في هذا المكان من التحصل على دخل معين من عمل أو تجارة؟ أسئلة كهذه توضح جانب من ما يمثله سعر العقار. يوجد جانب آخر معنوي سأتطرق له لاحقاً وجانب قد يتعذر الوصول لتفسيره.
إذاً سعر العقار يمكن تفسيره بشكل أساس (كسلعة أساسية) في الفائدة المرجوة من تواجد الشخص في هذا العقار، من دخل وجودة حياة والانتفاع منه، في الوقت الحالي ومستقبلاً. هذا في الوضع الطبيعي للسوق العقاري عندما يكون العقار كسلعة تستخدم للغرض المخصص له (وليس المضاربة مثلاً).
لنفترض أن مدينة القمر سقط بالقرب منها نيزك محمّل بالمعادن الثمينة المهمة في التصدير وبيع هذه المعادن على سكان المدن الأخرى لحاجتهم لهذه المعادن في الصناعة وغيرها. ماذا سيحصل لمدينة القمر؟ سيتوافد الناس ليعملوا في التعدين وبيع هذه المعادن على سكان المدن الأخرى وسيزداد الطلب على العقارات السكنية والصناعية والتجارية في مدينة القمر لتغير في هيكلة اقتصاد المدينة، فالمدينة انتقلت من اقتصادها القديم إلى اقتصاد جديد معتمد على تعدين المعادن الثمينة وتصديرها وبيعها على مدن أخرى.
لنفترض أن مدينة القمر، ليس لديها الموارد الطبيعية الكافية لهذه الأعداد الكبيرة المتوافدة للعمل في مدينة القمر (مثل الطاقة والمياه والغذاء ومواد البناء... الخ). ولنفترض أن المساحة الممكن بنائها محدودة (جغرافياً أو تشريعياً أو لأي سبب آخر). هذا سيجعل المتوافدين مستعدين للمنافسة سعرياً على العقارات المتاحة للحصول على فرصة للاستفادة من المخرجات التعدينية للنيزك على شكل وظائف وأعمال تجارية واستثمارات.
الآن، أسعار العقارات تضخمت وارتفعت بسبب عنصر جديد وهو الفرص التي خلقها سقوط النيزك بالقرب من مدينة القمر. هذا يعني أن الفرق في سعر العقار قبل وبعد سقوط النيزك يمثل القيمة الجديدة التي أحدثها النيزك في عقارات مدينة القمر.
ماهي النيازك في المدينة الواقعية؟
تتمثل النيازك في العالم الواقعي بما يجعل للعقار قيمة أعلى، مثل:
خدمات طاقة (كهرباء، مياه، غاز...)
خدمات بلدية (نظافة، تشجير...)
خدمات لوجستية (طرق، جسور...)
أنشطة تجارية (تموين، تسوق...)
خدمات تعليمية وترفيهية (مدارس، ملاهي...)
وظائف ونشاط أعمال وتجارة
مشاريع ضخمة واستثنائية
الخ...
كلما ارتفع عدد وجودة ما تجلبه النيازك للمدينة، كلما زاد التوافد للمدينة. الآن، التوافد لا يعني ارتفاع الأسعار بشكل كبير إذا كان هنالك مخزون وموارد لاستيفاء الطلب بشكل سلس، ولم يكن هنالك مانع جغرافي أو تشريعي مثلاً لتوفير هذا المخزون. ولكن إذا كان هنالك تحديات طبيعية أو مستحدثة، فبالتأكيد ستؤثر على الأسعار وتدفعها للأعلى، لأن الكل يريد أن يحصل على جزء من النيزك!
بعد كل هذا، هل أسعار العقار تصل لعشرات الآلاف للمتر المربع؟
لنستعرض الأرقام للصفقات العقارية في المملكة خلال الفترة الماضية. البيانات المسجلة والمنشورة حتى يوم الخميس 10 فبراير 2022م. لاحظ كيف أن نسبة الصفقات العقارية لجميع أنواع وتصنيفات العقارات لا تتجاوز نصف في المئة (0.5%) خلال السنوات الماضية للعقارات التي تمت عليها صفقات بسعر متر 10 آلاف ريال وأعلى، ولا تتجاوز ثلاثة بالمئة (3%) للعقارات التي تمت عليها صفقات بسعر متر 5 آلاف ريال وأعلى:
وإذا استثنينا الصفقات على القطع التجارية والمباني التجارية و السكنية، لنستعرض الأراضي السكنية، نجد أن النسب من أعداد الصفقات العقارية التي تمت بأسعار أعلى من 5 آلاف ريال للمتر المربع منخفضة و منخفضة جداً لأسعار أعلى من 10 آلاف ريال للمتر المربع، كما في الرسم:
ماهي الصفقات التي تتم بأسعار تتجاوز 5 آلاف ريال؟
هنالك العديد من أشكال الصفقات العقارية التي من الممكن أن تتم عليها الصفقة العقارية بسعر متر مربع يتجاوز 5,000 ريال. من أشكالها:
عقارات مبنية (سكنية، تجارية...)، فسعر المتر المربع للصفقة يمثل سعر الأرض وتكلفة البناء لكل طابق ويختلف حسب جودة التشطيب، مضافاً إليه أي أرباح للمطور العقاري أو أي أرباح رأسمالية للمستثمر
عقارات استثنائية، مثل العقارات في حدود الحرمين الشريفين أو على الشرايين الرئيسة بالمدن الكبيرة أو المشاريع الكبيرة والأبراج التجارية والسكنية
منفعة مخصصة، كعقار قد يساعد الجار في التوسع أو غيرها من الحالات المشابهة لمنفعة معينة
قيمة معنوية لدى المشتري، فهنالك عقارات لها قيمة معنوية لأشخاص تختلف بشكل كبير عن سعر السوق
أسباب أخرى لا يمكن حصرها...
بعد استعراض الأسعار بأرقام الصفقات العقارية، هل تعتقد أن الصفقات العقارية ذات أسعار 5,000 أو 10,000 ريال كبيرة؟ أم أن هنالك أصوات في السوق العقاري تحاول رسم صورة غير واقعية عن السوق؟